فصل: عزل الوزير ابن جهير ووزارة أبي شجاع.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.عزل الوزير ابن جهير ووزارة أبي شجاع.

كان أبو نصر بن الأستاذ أبي القاسم القشيري قد حج سنة تسع وستين فورد بغداد منصرفا من الحج ووعظ الناس بالنظامية وفي رباط شيخ الشيوخ ونصر مذهب الأشعري فأنكر عليه الحنابلة وكثر التعصب من الجانبين وحدثت الفتنة والنهب عند المدرسة النظامية فأرسل مؤيد الملك إلى العميد والشحنة فحضروا في الجند وعظمت الفتنة ونسب ذلك إلى الوزير فخر الدولة بن جهير وعظم ذلك على عضد الدولة فأعاد كوهرابين إلى الشحنة ببغداد وأوصاه المقتدي بعزل فخر الدولة من الوزارة وأمر كوهرابين بالقبض على أصحابه ونمي الخبر إلى بني جهير فبادر عميد الدولة ابن الوزير إلى نظام الملك يستعطفه ولما بلغ كوهرابين رسالة الملك إلى المفتدي أمر فخر الدولة بلزوم منزله ثم جاء ابنه عميد الدولة وقد استصلح نظام الملك في الشفاعة لهم فأعيد عميد الملك إلى الوزارة دون أبيه فخر الدولة وذلك صفر سنة اثنتين وسبعين.

.استيلاء تتش بن ألب أرسلان على دمشق وابتداء دولته ودولة نفيه فيها.

كان أتسز بهمزة وسين وزاي بن أبق الخوارزمي من أمراء السلطان ملك شاه وقد سار سنة ثلاث وستين إلى فلسطين من الشام ففتح مدينة الرملة ثم حاصر بيت المقدس وفتحها من يد العلويين أصحاب مصر وملك ما يجاورها ما عدا عسقلان ثم حاصر دمشق حتى جهدها الحصار فرجع وبقي يردد الغزوات إليها كل سنة ثم حاصرها سنة سبع وستين وبها المعلى بن حمدرة من قبل المنتصر العبيدي فأقام عليها شهرا ثم أقلع ديار أهل دمشق بالمعلى لسوء سيرته فهرب إلى بانياس ثم إلى صور ثم أخذ إلى مصر وجلس بها ومات محبوسا واجتمع المصامدة بعد هربه من دمشق وولوا عليهم انتصار بن يحيى المصمودي ولقبوه زين الدولة ثم اختلفوا عليه ووقعت الفتنة وغلت الأسعار ورجع أتسز إلى حصارها فنزل له عنها انتصار على الأمان وعوضه عنها بقلعة بانياس ومدينة يافا من الساحل وخطب فيها أتسز للمقتدي العباسي في ذي القعدة سنة ثمان وستين وتغلب على أكثر الشام ومنع من الأذان بحي على خير العمل ثم سار سنة تسع وستين إلى مصر وحاصرها حتى أشرف على أخذها ثم انهزم من غير قتال ورجع إلى دمشق وقد انتقض عليه أكثر بلاد الشام فشكر لأهل دمشق صونهم لمخلفه وأمواله ورفع عنهم خراج سنة وبلغه أن أهل القدس وثبوا بأصحابه ومخلفه وحصروهم في محراب داود عليه السلام فسار إليهم وقاتلهم فملكهم عنوة وقتلهم في كل مكان إلا من كان عند الصخرة ثم إن السلطان ملك شاه أقطع أخاه تاج الدولة تتش سنة سبعين وأربعمائة بلاد الشام وما يفتحه من نواحيها فسار إلى حلب سنة إحدى وسبعين وحاصرها وضيق عليها وكانت معه جموع كثيرة من التركمان وكان صاحب مصر قد بعث عساكره مع قائده نصير الدولة لحصار دمشق فأحاطوا بها وبعث أتسز إلى تتش وهو على حلب يستمده فسار إليه وأجفلت العساكر المصرية عن دمشق وجاء إليها تتش فخرج أتسز للقائه بظاهر البلد فتجنى عليه حيث لم يستعد للقائه وقبض عليه وقتله لوقته وملك البلد وأحسن السيرة فيها وذلك سنة إحدى وسبعين فيما قال الهمذاني وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر إن ذلك كان سنة اثنتين وسبعين وقال ابن الأثير والشاميون في هذا الاسم افسلس والصحيح أنه أتسز وهو اسم تركي.

.سفارة الشيخ أبي إسحق الشيرازي عن الخليفة.

كان عميد العراق أبو الفتح بن أبي الليث قد أساء السيرة وأساء إلى الرعية وعسفهم واطرح جانب الخليفة المقتدي وحواشيه فاستدعى المقتدي الشيخ أبا إسحق الشيرازي وبعثه إلى السلطان ملك شاه والوزير نظام الملك بالشكوى من ابن العميد فسار لذلك ومعه جماعة من أعيان الشافعية منهم أبو بكر الشاشي وغيره وذلك سنة خمس وخمسين وتنافس أهل البلاد في لقائه والتمسح بأطرافه والتماس البركة في ملبوسه ومركوبه وكان أهل البلاد إذا مر بهم يتسايلون إليه ويزدحمون على ركابه وينشدون على موكبه كل أحد ما يناسب ذلك وصدر الأمر بإهانة ابن العميد ورفع يده عما يتعلق بحواشي المقتدي وجرى بينه وبين إمام الحرمين مناظرة بحضرة نظام الملك ذكرها الناس في كتبهم انتهى.

.عزل ابن جهير عن الوزارة وإمارته على ديار بكر.

ثم إن عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير عزله الخليفة المقتدي عن الوزارة ووصل يوم عزل رسول من قبل السلطان ونظام الملك يطلب بني جهير فأذن لهم وساروا بأهلهم إلى السلطان فلقاهم كرامة وبرا وعقد لفخر الدولة على ديار بكر وكان بني مروان وبعث معه العساكر سنة وأعطاه الآلة وأذن له أن يخطب فيها لنفسه ويكتب اسمه في السكة فسار لذلك سنة ست وسبعين ثم بعث إليه السلطان سنة سبع وسبعين بمدد العساكر مع الأمير أرتق بن اكسب جل أصحاب ماردين لهذا العهد وكان ابن مروان قد استمد فخر الدولة بن جهير بنواحيها وكان معه جماعة من التركمان فتقدموا إلى قتل مشرف الدولة وانهزم أمامهم وغنم التركمان من كان معه من أحياء العرب ودخل آمد فحصره بها فخر الدولة وأرتق فراسل أرتق وبذل له مالا على الخروج من ناحيته فأذن له وخرج ورجع ابن جهير إلى ميافارقين ومعه بهاء الدولة منصور بن مزيد صاحب الحلة والنيل والجامعين وابنه سيف الدولة صدقة ففارقوه إلى العراق وسار هو إلى خلاط وكان السلطان لما بلغه انهزام مشرف الدولة وحصاره بآمد بعث عميد الدولة بن فخر الدولة بن جهير في عسكره إلى الموصل ومعه قسيم الدولة أقسنقر جد نور الدين العادل وكاتب أمراء التركمان بطاعته وساروا إلى الموصل فملكوها وسار السلطان بنفسه إليها وقارن ذلك خلوص مشرف الدولة من حصار آمد فراسل مؤيد الدولة بن نظام الملك وهو على الرحبة وأهدى له فسعى له عند السلطان وأحضره وأهدى للسلطان سوابق خيله وصالحه وأقره على بلاده وعاد إلى خراسان ولم يزل فخر الدولة بن جهير في طلب ديار بكر حتى ملكها فأنفذ إليه زعيم الرؤساء القاسم سنة ثمان وسبعين وحاصرها وضيق عليها حتى غدر بها بعض أهل العسكر من خارج وملكها وعمد أهل البلد إلى بيوت النصارى بينهم فنهبوها بما كانوا عمال بني مروان وكان لهم جور على الناس وكان فخر الدولة مقيما على ميافارقين محاصرا لها وجاءه سعد الدولة كوهرابين في العسكر مددا من عند السلطان فخرج في حصارهما وسقط بعض الأيام جانب من سورها فدهش أهل البلد وتنادوا بشعار السلطان ملك شاه واقتحم فخر الدولة البلد واستولى على ما كان لبني مروان وبعث بأموالهم إلى السلطان مع ابنه زعيم الرؤساء فلحقه بأصبهان سنة ثمان وسبعين ثم بعث فخر الدولة أيضا عسكرا إلى جزيرة ابن عمر وحاصروها حتى جهدهم الحصار فوثب طائفة من أهل البلد بعاملها وفتحوا الباب ودخل مقدم العسكر فملك البلد ودخل سنة ثمان وسبعين وانقرضت دولة بني مروان من ديار بكر واستولى عليها فخر الدولة بن جهير ثم أخذها السلطان من يده وسار إلى الموصل فتوفي بها وكان مولده بها واستخدم لبرلة بن مقلة وسفر عنه إلى ملك الروم ثم سار إلى حلب ووزر لمعز الدولة أبي هال بن صالح ثم مضى إلى ملطية ثم إلى مروان بديار بكر فوزر له ولولده ثم سار إلى بغداد ووزر للخليفة كما مر في آخر ما ذكرنا وتوفي سنة ثلاث وثمانين انتهى.